عبادات و إشراقات

شرح جوهرة التوحيد / لفضيلة الشيخ الطاهر بدوي الجزائري / وجوب تأويل التشاجر الذي وقع بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين


      واعلم عزيزي المستمع أنه اتفق أهل السنة على أن جميع الصحابة عدول ولم يخالف في ذلك إلا الشذوذ من المبتدعة. :وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلا نفيسا في ذلك فقال: " :عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم، فمن ذلك قوله تعالى: " كنتم خير أمة أخرجت للناس". :وقوله جل ذكره: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا". :وقوله تعالى: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم" :وقوله تعالى: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه" :وقوله تعالى: "يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين"  : وقوله جلّ ذكره: "للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون... إلى قوله تعالى... إنك رؤوف رحيم". .بآيات كثيرة يطول ذكرها وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها. وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لا أوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الاسلام وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأبناء والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين، .القطع على تعديلهم والاعتقاد لنزاهتهم، وإنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم المعدلين الذين يجيئون من بعدهم. .هذا مذهب كافة العلماء، ومن يعتمد قوله. :ثم روى رحمه الله بسنده إلى أبي زرعة والرازي قال: إذا رأيت رجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق"، .وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق، والقرآن حق وما جاء به حق. .وإنما أدى إلينا ذلك كلّه الصحابة. .وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة اهـ.

     والأحاديث الواردة في تفضيل الصحابة كثيرة من أدلها على المقصود ما رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن المغفل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن أذاهم فقد أذاني ومن أذاني فقد أذى الله ومن أذى الله فيوشك أن يأخذه". وقال أبو محمد بن حزم: الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعاً. قال الله تعالى: "لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى". وقال تعالى: "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون". فثبت أن الجميع من أهل الجنة وأنه لا يدخل أحد منهم النار لأنهم المخاطبون بالآية السابقة وهي قوله تعالى: "والسابقون الأولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم بإحسان" الآية. يخرج من لم يتصف بذلك وهي من أصلح ما ورد في المقصود. ولهذا قال المازري في شرح البرهان: "لسنا نعني بقولنا الصحابة عدول كل من رآه صلى الله عليه وسلم يوما ما أو زاره لماماً (يعني في رفقة) أو اجتمع به لغرض وانصرف عن كثب، وإنما نعني به الذين لازموه وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون". والجواب من ذلك أن التقييدات المذكورة خرجت مخرج الغالب وإلا فالمراد من اتصف بالإنفاق والقتال بالفعل أو القوة. وأما كلام المازري فلم يوافق عليه بل اعترضه جماعة من الفضلاء. وقال الشيخ صلاح الدين العلائي هو قول غريب يُخرج كثيرا من المشهورين بالصحبة. والرواية عن الحكم بالعدالة كوائل بن حجر ومالك بن حويرث وعثمان بن أبي العاص وغيرهم ممن وفد عليه صلى الله عليه وسلم لم يقم عنده إلا قليلا وانصرف، وكذلك من لم يُعرف إلا برواية الحديث الواحد ولم يُعرف مقدار إقامته من أعراب القبائل. والقول بالتعميم هو الذي صرّح به الجمهور وهو المعتبر والله سبحانه وتعالى أعلم. وقد كان تعظيم الصحابة ولو كان اجتماعهم به صلى الله عليه وسلم قليلا مقررا عند الخلفاء الراشدين وغيرهم. وفي ذلك أبين شاهد على أنهم كانوا يعتقدون أن شأن الصحبة لا يعدله شيء كما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخذري من قوله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه". وتواتر عنه صلى الله عليه وسلم قوله "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم..." وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عزّ وجل". وروى البزار في مسنده بسند رجاله موثوقون من حديث سعيد بن المسيب عن جابر رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله اختار أصحابي على الثقلين سوى النبيين والمرسلين". وقال عبد الله بن هاشم الطوسي حدّثنا وكيع قال سمعت سفيان يقول في قوله تعالى: "قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى" قال: هم أصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. والأخبار في هذا كثيرة جدا فلنقتصر على هذا القدر ففيه مقنع.




facebook twitter youtube LinkedIn cheikh badaoui el djazairi mail
.
.

٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
ALG
GMT + 1

arrow_drop_up