فتاوي في الدين و الأخلاق

(تابع) الدعوة إلى الله تعالى وشروطها


6 . علاج التعصب المذهبي

     سئل الشيخ رحمه الله: متى يلتزم العالم الاسلامي بفتوى واحدة، وهل يلزم هذا الوجود هيئة إسلامية للإفتاء؟».

     فأجاب بقوله: «وقت ما يرجع للأمة الإسلامية شعورها بوحدتها، فتعمل جادة على إرجاعها بعد نبذ خلافاتها الدينية ونزاعاتها المذهبية، وإحساسها بما جلب لها هذا الخلاف والشقاق من تفرق وتمزق وانعكاف كلّ أهل مذهب على ما عنده من صواب وخطأ وانغلاق على ما عنده على أنه على الحق وغيره على باطل، فهناك يرجع لهم رشدهم، فيختارون ما اتفق عليه رؤساء مذاهبهم، وما أجمعوا عليه من المسائل العملية، وترجيح عمل مما اختلفوا فيه من المعاملات التي يبنون عليها حياتهم، فيدونون في كتاب مرتب مادة مادة، مع بيان أن ما اختاروه ورتبوه، لا يخرج عن أصول فقه دينهم، كما أنه لا يتناقض مع ما جاء به صلب قواعد الإسلام الحنيف فهناك يتنسمون روح الأخوة الصادقة، ويذوقون نعمة الإسلام الحنيف وما هذا بالقول الأجوف. ولكن بالعمل الجاد ونبذ كل شقاق أيا كان نوعه، وأين كانت جهته، وما على من جَدَّ في العمل بعزيز، والله الموفق والمرشد» (6).

7 . احترامه العلماء والالتزام بالمذهب

     والشيخ محمد شارف يمثل نموذجا رائعا لاحترام العلماء وتقديرهم، والمحافظة على المرجعية الدينية الوطنية، يقول الشيخ موسى حَوَّى وكان الشيخ من احترامه للعلماء السابقين لا يخرج عن المذهب في الفتوى إلا للضرورة، وكان يقول: "من أفتى على غير مذهب بلاده لغير ضرورة، فهو يحب الفوضى والنزاع والشهرة".

     ومن المقولات التي سجلها عنه تلميذه موسى حوى في بعض دروسه أنه قال في خصوص أدلة المذهب المالكي: «لنا أدلتنا ومذهبنا يوافقها، فالمذاهب تقوي آراءها بالأدلة، ونحن نقوي مذهبنا بأدلتنا، وليس هذا تعصبا كما يفهمه بعض الغافلين وإنما هو علم ومذهب ورثناه من شيوخنا"

     ويضيف الشيخ موسى حوّى أن الشيخ رحمه الله كان يوصي تلاميذه ويقول لهم: «أطيعوا علماءكم واحترموهم، ولا تقولوا: لا يوجد في الجزائر علماء، ويقول أيضا: «عَرِّفُوا بعلمائكم، سواء في كتبكم أو دروسكم أو خطبكم، حتى لا تخرج العامة عن مذهبكم».

8 . مشكلة العالم الإسلامي

     سألته جريدة العالم السياسي سؤالا نصه: لو لخص فضيلة مفتي الجزائر الشيخ محمد شارف مشكلة العالم الإسلامي في نقاط، فماذا يقول؟

     فأجاب قائلا: «مشاكل العالم الإسلامي متعدد الجوانب، منها وهي أولادها بالتذكير، وهي بيت القصيد مشكلة الوحدة، فإن تُوصل لحلها انحلت معها جل المشاكل الناشئة عن فقدها، فإن عقد أولو الأمر وأصحاب الحل والعقد من رؤساء الدول الإسلامية العزم على الرجوع لما في كتاب ربّهم وما في سنة نبيهم وما كان عليه سلفهم الصالح من إقبال شديد على تعاليمهما ونبذ ما يخالف أوامرهما ونواهيهما على النفس الأمارة ونسيان الذات بالميل إلى اللذات والشهوات، وجعل الآخرة ولقاء الله نصب أعينهم، ومعاملة كل الناس كيفما كان الحال، وأن لا يخافوا في سبيل ذلك لومة لائم، فإنَّهم إن وفقوا لذلك وأخرجوا ما ذكر لحيز الوجود لبلغوا المراد، ولنصرهم الله ورد إليهم عزّتهم الضائعة وكرامتهم المفقودة، قال الله تعالى: إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَلَهُمْ )(7)

     فالاعتماد في هذا هو على الله وحده ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، ولنتأمل ما جاء عن نبيينا في الحديث الشريف عنه وهو قوله : «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغْثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ. فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ»(8).

     وهذا هو الواقع في أمة الإسلام، ولن ينتبهوا لما هو الحال بهم، لقد ذهب خوف الله من قلوبهم فركنوا إلى أعدائهم فذهب عزهم وانتهكت كرامتهم وصاروا أتباعا لهم وشيعا تحت سيطرتهم، والله يحذرهم فيقول لهم: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ(9) نسأل الله أن يوقظنا من سباتنا، وأن لا يجعل حب الدنيا رأس مالنا، وأن يفتح قلوب أولي الأمر منا فيعملوا صادقين محسنين، ما فيه إرجاع عزنا الضائع وكرامتنا المفقودة، إنه سميع مجیب (10)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6) انظر: خطب منبرية ومقالات وحوارات ضمن سلسة الشيخ محمد شارف حياته وآثاره (542/5 . 543).

(7) سورة محمد /7 . 8.

(8) أخرجه أبو داود (111/4، رقم 4297). وصححه الألباني. والإمام أحمد فيا المسند (82/37، رقم (22397. وقال محقق المسند: إسناده حسن.

(9) سورة هود/113.

(10) انظر: خطب منبرية ومقالات وحوارات، ضمن سلسة الشيخ محمد شارف حياته وآثاره" (537/5 - 538)




facebook twitter youtube LinkedIn cheikh badaoui el djazairi mail
.
.

٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
ALG
GMT + 1

arrow_drop_up